هكذا فهمنا فكرة العولمة مشروعآ كونيّآ للمستقبل قريّة صغيرة ظاهرة اقتصاديّة في خلفيتها وفحواها وأبعادها . وما علاقاتها بباقي مجالات الحياة السياسيّة ..والأجتماعية والثقافيّة والإعلاميّة سوى مظاهر لنتائج تطبيق وإسقاط ظاهرة العولمة الاقتصاديّة على هذه المجالات . صحيح أن العولمة في منطلقها ظاهرة اقتصاديّة بمعنى دمج اقتصاديّات الدول المختلفة بكافة تعاملاتها وتبادلاتها في اقتصاد سوق حرّة واحدة للوصول إلى تكتّل استثماري عالمي بجميع الموارد والمواد والأسواق , لكن يجب أن لاننسى أن الاقتصاد بحد ذاته لايعدّ كيانا مستقّلا من جهة قدرته على إقامة مجتمع متكامل , إنما هو واحد من عديد من الجوانب الحياتيّة الأساسيّة التي ترسم بتفاعلها مع بعضها البعض الملامح العامّة لكل دولة, وبالتالي أي توجّه أو تحرك يقصده الاقتصاد لابد أنه سوف يطال مايرتبط به من باقي الجوانب ويمسّها بشكل ما.
ووسائل الإعلام اليوم هي أوضح تلك الجوانب بروزاً، وأحد أعمق الجوانب الحياتية تأثيرا في كيان الفرد والمجتمع, إلى حد أنه صار بمقدور تلك الوسائل خلق مجتمع جديد من مجتمع قائم متغاضيآ عن كل خصائصه السابقة وذلك بما توصّل إليه من تقنيات ترغيب, وأساليب جذب تخاطب نفسية الإنسان بمداعبة عواطفه لتكسبها ومحاكاة مشاعره لتربحها, وباتباعه منهجية إقناع ومنطق تحاور العقل لتبرمجه وتفاوض الإرادة لتسيّرها. لذلك نرى العالم اليوم قد امتلك وطوّر مؤسسات إعلاميّة أخطبوطيّة ربطت أقاصي العالم بشبكة تقنيّة معلوماتيّة مذهلة التنظيم والإمكانيّة في إلغاء الجغرافيّات, وتجاوز الحدود, سعيّآ لترويج منتجاتها السلعيّة وبضائعها الفكريّة لتعيد ترسيم الواقع ولإحداث تغيير في الحالة الثقافيّة, فاتّسعت مساحتها , وازدادت خصوبتها. وما الفضائيّات العربية إلا شريكا أساسيّا وهامّآ في معادلة الدمج الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي وهدفآ حقيقيآ في إنتاج إنسان آخر .
اليوم المشهد حزين جدآ ...دماء ...دماء...حروب ..مجاعات ..أمراض..كوارث ... العالم يتخبّط ...في كل مرّة أقف متسائلة
وأنا كإعلاميّة ومذيعة أنقل الأخبار غير السارة) : أين نحن مما يجري حولنا ..؟ ماهو حال شبابنا بالتحديد..؟وما حالنا معهم..؟ وبالتالي ماحال مجتمعاتنا..؟ماذا أعددنا لهم من أدوات تساعدهم على أخذ مواقعهم الصحيحة ..؟ العالم يضّطرب ,وهو اليوم في القرن الحادي والعشرين أكثر من أي وقت مضى يعيش هذه الحالة.
ربما نحن اليوم بحاجة إلى رؤيّا ( با لألف الممدودة )وهي معيار غريب لم نعره أي اهتمام ولكني أحبّه كثيرا ,وهذا مايتعلق ليس فقط بثقافة الإنسان وفكره وإنمّا بقيمته التي هي جوهره ..الكتاب المقدّس يقول: "بدون رؤيّا يجمح الشعب" مالمقصود..؟
الرؤيّا : (هي التي تتلمس للأصمّ آذانآ وللأعمى عيونآ وللكسيح أقدامآ ) شئ رائع
بدأنا نسمو فوق العقل .. (نسمو بالروح).
إن وسائل الإعلام اليوم المتعدّدة تمتلك القدرة على تضليل عقول البشر وتجريديهم من العمق الروحي كونها النافذة الأهم للتواصل البشري والقناة الأمثل قي التكوين المعرفي والاطّلاع الحضاري ..والتلفزيون الفضائيّ تحديدآ هو مدرسة الشعب المفتوحة على مدار 24 ساعة, انه في متناول الجميع بسهولة ويسر..وأنماط السلوك التي تطرحها العولمة من خلال هذه الأداة موجّهة بالدرجة الأولى للشباب لأنهم الأقدر على الاستجابة والتقبل السريع لأي مفاهيم جديدة خارجة عن المألوف,تقدّم إليهم بجذب وانتباه وبوسائل باهرة وبطرق تقنيّة تؤثّر في نفوسهم وفكرهم وبالتالي
في سلوكهم وحياتهم.
اذآ باختصار نحن أمام عشرات الملايين من الشباب الذين يتوقون إلى الأداء السريع وإحراز النتائج الفعاّلة ..فثورة المعلومات وتراكمها جعلا هذا الجيل يتأثر بانجازاتها دون الحاجة إلى انتظار الخبرات الحياتيّةالطويلة .. ولكن هل نتركهم أدوات أوانسانآ آليآ يتحرك بأوامر مبرمجة في قلب هذه الثورة الإعلاميّة والتي تبدت أبسط تجلياتها بالقدرة على عبور الأرض وما أنتجته من فضاءات وسماوات أيضا ...؟ منذ فترة كنت في زيارة خارج سورية ...وكما هو الحنين دائمآ في بلاد الغربة للوطن وتفاصيل الوطن, فتشّت عن الفضائية السورية وجدتّها...وفرحت..وإذ بفيلم تلفزيوني
سوري من إنتاج الهيئة العامّة للإذاعة والتلفزيون بعنوان (رحاب) استوقفتني الشارة
واضح أنها قصة حبّ فريدة ..تفاجأت ..فنحن لسنا في زمن الحب بل زمن الحرب
تابعت.. وانجذبت.. وانتبهت إلى دموع تذرف من عينيّ...وبعدما انتهت سألت نفسي:
أنا لست هكذا ..لاأحبّ الدموع..لاأتحرّك بالمشاعر والعواطف ..عقلي وفكري فقط هما دائمآ في عمل مستمر ..ولكن أحسست بأن هذا مانحتاج إليه ونفتقده اليوم في عالم يتحرك بالريموت كونترول ...واسترحت...
إنها قصة حبّ حقيقيّة قدّمها كل من الكاتب قمر الزمان علوش والمخرج خالد الخالد
برومانسيّة ورمزيّة مع أبطال جسدّوها بفاعلية ( ميسون أبو أسعد , وعامر علي )
ربما كنت لاأرغب أن تكون نهايتها نهاية امرأة أحبّت حتى الموت ورأت أن حبّها هو كرامتها وكرامتها هو حبها,ففقدت كلّ الأشياء , لو كنت مكانها لحفظت حبي بصمتي ومحبتي وسأنتصر.( لكنها رؤيّة المخرج ) ولكن في سياقها كم نحن بأمسّ الحاجة بأن نعيد ترتيب أوراقنا من جديد لنبحث عن حقّ في معنى ومعنى في حقّ,نبحث عن إنسانيتنا لقد أصبحنا في زمن نشارك فيه أقرباءنا وأصدقاءنا الأفراح والأتراح برسائل قصيرة بالموبايل أو الايميل متناسين المشاعر الإنسانية التي نحن بحاجة لتبادلها وأن الإنسان روح ونفس كما الجسد . حبّذا لو نبحث من جديد عن جوهرنا عن احتياجاتنا..عن حبّ يملأ كياننا ويعيدنا إلى إنسانيتنا عن رؤيا تجسّد أرواحنا لننطلق في منظومة القيم الأخلاقيّة وقد أصبحت المشاهد الاأخلاقية مألوفة على الشاشات الفضائية أكثر من خبزنا كفاف يومنا .